.ContactForm{display: none!important;}

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

السعادة تُشترى... والنقود مفتاحها الفعلي

 


بقلم الشهبي أحمد 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

لو كان الفقر شرفًا، لما أخفاه الناس كما يُخفى العار. ولو كانت القناعة وحدها تكفي لصناعة الفرح، لما تسللت الدموع إلى عيون الأمهات في المستشفيات العامة، وهنّ يعجزن عن دفع ثمن الدواء. إن مقولة "المال لا يصنع السعادة" ليست إلا أكذوبة كبرى تم تداولها طيلة قرون، بكل هدوء ووقار، حتى أصبحت أشبه بالحكمة، وهي في حقيقتها ليست إلا تخديرًا للفقراء حتى لا ينتبهوا إلى الخلل الكبير في ميزان العالم.


من قال إن امرأة لا تملك ثمن عملية لابنتها المريضة يمكن أن تشعر بالسعادة؟ من قال إن شابًا يملك أحلامًا ولا يملك ثمن تذكرة ليغادر مدينته يمكنه أن يتذوق طعم الفرح؟ السعادة كما نفهمها اليوم، ليست ذاك الإحساس الرومانسي الغامض الذي يحدث بلا سبب، بل هي مشاعر ملموسة، تُخلق من ظروف مادية قابلة للقياس: بيت دافئ، صحة مستقرة، أكل نظيف، قدرة على التنقل، وقت للراحة، ونفس حرة من القلق المستمر بشأن الغد. وكل هذه الأشياء تحتاج إلى مال، لا إلى خطب منمقة عن "الكنوز التي لا تفنى".


دعونا نضع الأمور في نصابها. المال لا يشتري السعادة الكاملة؟ هذا صحيح. لكنه يشتري الظروف التي تسمح بولادة هذه السعادة، أو على الأقل، يشتري التربة التي تنمو فيها بذور الطمأنينة. وأي محاولة لفصل المال عن السعادة، هي مثل محاولة زراعة شجرة في صحراء قاحلة. من دون الماء، لن يكون هناك شيء سوى الرماد.


السعادة نسبية؟ نعم. لكن هذه النسبية لا تُبطل أن المال يشكّل أحد أهم روافدها. هناك من يجد سعادته في القراءة، في العزلة، في التأمل، لكن هل يستطيع ممارسة كل ذلك وسط دوامة الجوع، والكراء، والفواتير؟ حتى أبسط الهوايات تحتاج إلى بعض المال، وبعض الهدوء، وبعض الاستقرار. ولن تحصل على هذه الثلاثية وأنت مهدد في قوتك اليومي. كل من يقول غير ذلك إما يكذب عليك، أو يحاول أن يبيعك خطابًا أخلاقيًا فارغًا.


قد يبدو الأمر قاسيًا، لكن الحقيقة لا تحتاج إلى تجميل. نحن نعيش في زمن لا يمكنك أن تكون فيه سعيدًا وأنت لا تملك ما يكفي للعيش الكريم. "أعطيني مالًا واغرب عن وجهي وسأريك السعادة"، ليست جملة وقحة كما قد يعتقد البعض، بل تعبير صريح عن إحساس داخلي بالاحتياج الموجع، وبالرغبة في أن نحيا ككل البشر، لا كمتسولين في حضرة من يقول لنا: "اصبروا، فإن المال لا يصنع السعادة".


ما يصنع السعادة هو ما يعيد للإنسان كرامته، يزيل عنه خوف الغد، ويمنحه حريته. والمال، شاء من شاء، وأبى من أبى، هو أحد أهم المفاتيح لتحقيق ذلك. أما من اخترع تلك المقولة الخالدة، فهو حتمًا لم يكن بحاجة إلى شيء، وربما فعلها دفاعًا عن ثروته، لا عن فلسفة الحياة.

تعليقات

التنقل السريع