هل تساءلت يومًا عن سرّ تلك العبارة التي تتردد في كل زاوية من حياتنا؟ "الواحد خاص يلبس هكذا... الواحد خاص يكون مربي... الواحد خاص يدير الرياضة...". إنها ليست مجرد كلمات نرددها ببراءة، بل إحدى أدواتنا الفريدة للهروب من مواجهة الواقع. ننحت شخصيةً وهميةً باسم "الواحد" لنُلقي عليها كل ما نتحاشى تحمله: المسؤولية، المواجهة، حتى أحلامنا التي لم نجرؤ على تحقيقها. عندما تقول الأم لطفلها: "الواحد خاص ينجح"، يسمع الصغير أن النجاح واجبٌ على كائنٍ مجهول، لا عليه هو. وهكذا، ينشأ جيلٌ يعتقد أن الأخطاء تُرمى على عاتق الآخرين، بينما تذوب مسؤوليته في ضمير الغياب.
الأمر لا يتوقف عند اختراع "الواحد" ككبش فداء، بل يمتد إلى فرض الأوامر باستخدام كلمة "خاص" التي تحمل في طياتها سلطةً مطلقةً بلا تفويض. فكل مغربي يصنع قانونًا خاصًا لحظيًا: "الواحد خاص يدير الصف"، "الواحد خاص ماياكلش بزاف"، وكأننا نعيش في دويلاتٍ مصغّرةٍ لكل منها دستورها الخاص. لكن ماذا يحدث عندما يتعارض "قانوني" مع "قانونك"؟ تتحول الحياة إلى فوضى تختفي فيها لغة الحوار، ويصبح الصراخ بديلًا عن التفاهم.
المأساة تكتمل عندما نطلب من الآخرين أن "يكونوا" دون أن نمنحهم أدواتٍ للوصول. كيف لطفلٍ سمع ألف مرة "الواحد خاص يكون الأول في القسم" أن يعرف طريق النجاح إن لم نعلمه كيف يذاكر؟ النتيجة جيلٌ يحمل جرحًا مزدوجًا: إحساسٌ دائمٌ بالفشل لأنهم لم "يكونوا" كما أراد الآخرون، وعجزٌ عن التعبير لأن أحدًا لم يخبرهم كيف "يكونون". هذا الصدع النفسي يظهر بوضوح في العيادات، حيث يردد الراشدون: "ماكنقدش نعبر على احاسيسي"، أو "مكرهتش نكون واثق من نفسي"، وكأنهم سجناء لغةٍ علّمتهم أن يحلموا دون أن تعلمهم كيف يمشون.
لا تقف الكارثة عند الأفراد، بل تمتد إلى المجتمع ككل. عندما يتحول الخطاب إلى "الواحد"، يختفي الإحساس بالانتماء. انظر إلى الموظف المتأخر الذي يبرر تأخره بقوله: "الواحد خاص ينوض بكري"، بدل أن يعترف: "أنا لم أنظم وقتي". حتى الاعتذارات تُختطف بواسطة هذه الثقافة؛ فبدل أن نقول: "أسف، أخطأت"، نلقي باللوم على شيطانٍ خفي: "الواحد مكيعرفش اش يدير، الشيطان ولد الحرام". هكذا نصنع مجتمعًا من الأشباح يخافون من كلمة "أنا"، ويرتجفون عند مواجهة أنفسهم بالحقائق.
لكن الأمل لا يزال ممكناً. المَخرج يبدأ بكسر قيود اللغة التي ورثناها. ماذا لو استبدلنا "الواحد خاص" بـ "أنا أختار"؟ ماذا لو علّمنا أطفالنا قول: "أعتذر، أخطأت" بدل ترديد لعناتٍ على كائناتٍ وهمية؟ التغيير الحقيقي يحتاج شجاعةً لاستعادة الضمير الفردي، والاعتراف أن المسؤولية تبدأ حين نتوقف عن الاختباء خلف "الواحد". لنكن واضحين: مجتمعٌ يبني أفراده مصيرهم بكلمة "أنا" و"أنت"، سيكون أقوى من مجتمعٍ يلعن "الواحد" في كل منعطف. اللغة ليست مجرد حروف، بل هي مرآةٌ لوعي نصنعه كل يوم بكلمتنا الأولى حين نستيقظ.
بقلم الشهبي أحمد ـ المغرب
تازة ـ مغراوة في 08 مارس 2025
#الشهبي_أحمد
#مقالات_الرأي
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.