بقلم/ سعيد عزابي
بمناسبة اليوم العالمي للمدرس والذي يتزامن مع 5 أكتوبر من كل سنة نتقدم بأسمى عبارات التقدير والإمتنان لكافة المدرسين والمدرسات ونقول لهم دمتم/ن رمزاً للعلم ومشعلاً للتنوير، فمزيداً من العزف على أوتار الضمير المهني وعلى كل أنغام العطاء والجد والإجتهاد، مزيداً من الصمود أمام كل من سولت له نفسه إقبار المدرسة العمومية في مقبرة النسيان والتقهقر.
بالفعل تُعتبرون يا معشر المدرسين /ت أسمى وأنبل الأشخاص لا لشيء سوى لأنكم تحملون على عاتقكم مسؤولية ايصال رسائل وأمانات ، إنها رسالة العلم والمعرفة، فالعلم نور والجهل عار، فالعلم هو النور الذي ينير عقل البشر ويخرجه من ظلمات الجهل والعتمة وهو السبيل الوحيد لتقدم الأمم وتطورها. انها بالفعل وظائف نبيلة قريبة من أدوار الأنبياء والرسل وهو الأمر الذي دفع أمير الشعراء أحمد شوقي إلى الإعلاء من مكانة المعلم ومنحه مقاماً اعتبارياً عندما قال" قُمْ للمعلم وفِّه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسول"
إذا كان الأنبياء والرسل قد وجَّهوا البشر إلى الطريق الصحيح والقويم وهم الذين أخرجوا البشر من ظلمات الجهل والجاهلية الى نور الهداية فإن المعلمين بِفَهم الشاعر القتطوا مشعل انارة طريق الإنسانية من خلال مواصلة مسيرة نقل الرسائل المتجلية في التربية والتعليم.
إن المدرس في ظل هذه المنظومة المأزومة يقوم بدورين أساسيبن: التربية والتعليم، إنه يتقاسم أولا تربية الأبناء مع الأباء فاذا كان المتعلم/ة قد تلقى داخل أسرته بعض أدبيات الحياة وتشبعه ببعض القيم فإنه مع المدرس/ة في الصف الدراسي يعززها وينميها وذلك بإكتسابه لجملة من الكفايات القيمية والإستراتيجية....( زرع القيم الإنسانية الوطنية والكونية في نفوس المتعلمين/ت، دفعهم الى تقدير ذواتهم واحترامها الإحترام التام )، الشيء الذي دفع أحد المفكرين الى القول" المعلم هو الشخص الوحيد الذي يقاسمني تربية أبنائي وأنا على قيد الحياة".
وفضلا عن ذلك فللمعلم كذلك رسالة معرفية فهو كما قلنا ينشر العلم ويبني شخصيات المتعلمين/ت، وذلك بتطوير مهاراتهم وتوسيع مدراك ومدارج تفكيرهم ، إذ يعتبر الأستاذ/ة المدرسةُ الخصبة التي داخلها تصنع جميع فئات المجتمع ( المهندس، الطبيب، القاضي....)، فلم يكن بامكان هؤلاء الوصول إلى ماهم عليه لولا علم المدرس ووعيه ، فهذا الأخير يعتبر القنطرة الصلبة التي تحملت عبور ثقل أجيال بدون كلل أوملل، حيث ساهم في تشكيل الحضارات الإنسانية وبنائها.
إن نكران فضل المدرس يعتبر ضربا من ضروب الغباء والإستهجان، ففضل هؤلاء غير محدود، لقد غرفنا من معينهم ونهلنا من بحرهم، فالإعتراف بجميل الآخرين فضيلة، فنحن مدينون لأساتذتنا بكل تضحياتهم تجاهنا، لهذا يجب على الكل الإعتراف بأنه "لم يكن بامكاننا الوصول إلى ما نحن عليه لولا مجهودات اساذتنا الجبارة ونصائحهم القيمة"
يجب إعادة الإعتبار لهذه الفئة التي عانت ومازالت تعاني الويلات داخل هذا الوطن الجريح.
إذا قمنا بتحليل السياق الإجتماعي سنجد أن الأمم التي لم تقدر العلم والعلماء سقطت في براثن الجهل والخرافة والشعوذة وفي مجاهل التاريخ، إذ لا أحد يرى فيها خيراً مثلها مثل حضيرة البهائم التي لا ترى ولا تسمع ولا تعقل.
نستحضر في سياق دفاعنا عن المُدرسْ/ةَ والمَدْرَسَة ما قاله المهدي المنجرة رحمه الله حين روى عن أحد المستشرقين أنه " إذا اردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث: اهدم الأسرة، أهدم التعليم، اسقط القدوات والمرجعيات، لكي تهدم الأسرة فعليك بتغييب دور الأم، اجعلها تخجل من وصفها ب" ربة بيت" ولكي تهدم التعليم عليك بالمعلم لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه ولكي تسقط القدوات عليك بالعلماء، اطعن فيهم، شكك فيهم ،قلل من شأنهم، حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد. فاذا إختفت الأم الواعية واختفى المعلم المخلص وسقطت القدوة المرجعية من يربي النشء على القيم؟
إن المدرسة العمومية مشروطة بتحسين أوضاع المدرسين/ والإستجابة لمختلف متطلباتهم سواء أكانت معنوية او مادية وليس الإجهاز على ماتبقى من حقوق الشغيلة التعليمية بهذا المخطط التخريبي المسمى بالنظام الأساسي. إنه إستراتيجية خطيرة لخلق ثقافة الإستعباد وجعل الشغيلة التعليمية دائماً وأبدً ترزح تحت وطئتها وتكتوي بلظى السياسة التربوية الحارقة.
يجب على النقابات أن تتحمل كامل المسؤولية لما ستؤول الية المنظومة التعليمية من خراب وتقهقر في القادم من الأيام. إذ لا وجود لفكر نضالي حر و وخالص من الإنتهازية والوصولية. لقد حقق الطغاة. الجبابرة . القياديون النقابيون مصالحهم على حساب القواعد. حيث تلقوا مبالغ مالية خيالية وإستفادوا من مختلف أشكال الريع. وفي الآخير يتجلببون يجلباب المدافع الشرس عن حقوق الشغيلة التعليمية والخادم المطيع لحقوقها . يالوقاحتهم. إنهم منافقون متناقضون. لقد سقطت آخر أوراق التوت التي كانت تغطي عورات القيادات النقابية. بيد أن الغريب في الأمر تجد بعض الرعاع.الذيول . لا زالوا متمسكين بهذه الإطارات الهشة. التي فقدت بريقها. لقد ماتت النقابات. أضحت مجرد وثن. إنه عصر أفول أصنام القيادات النقابية. لماذا نقدس النقابات التي أطعمتنا أمل إصلاح المنظومة التعليمية بملاعق من الوهم والكذب؟، أليس من الغباء الإبقاء على هكذا نقابات داخل سجلنا النضالي؟.
يا معشر القواعد: إطردوا الميتَةَ من بيتكم التعليمي.
لا تصدقوا القيادات النقابية . إنهم يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعي.

تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.