هل سمعت يومًا عن نظرية التعلم السوسيوبنائية؟ إنها نظرية مشوقة ومثيرة للاهتمام تركز على دور العوامل الاجتماعية في عملية التعلم.
في الواقع، تُعد نظرية فيغوتسكي السوسيوبنائية أحد الأسس النظرية الرئيسية التي تعتمد عليها المناهج والبرامج التعليمية الحالية في المغرب. تنتمي هذه النظرية إلى مجموعة نظريات التعلم المعرفي التي تعطي الأولوية للعمليات العقلية الداخلية مثل التفكير واتخاذ القرار وحل المشكلات. بالإضافة إلى ذلك، تشترك في التأكيد على أن المتعلم هو صانع المعرفة ومباني التعلم مع نظرية البنائية، لكنها تولي أهمية أكبر لدور تفاعل المتعلم مع أقرانه ومدرسيه في تسريع عملية النمو المعرفي.
هناك فكرة شيقة ومثيرة في هذه النظرية، وهي أن الفرد بمفرده لا يمكنه الحصول على المعرفة. فالبنيات المعرفية في الأساس هي عمليات اجتماعية تتحول إلى عمليات نفسية داخلية من خلال التفاعل والمشاركة في أنشطة المجموعة. بمعنى آخر، نحن نكتسب المعرفة وننمو من خلال التواصل مع المجتمع والأشخاص الحولنا.
هذه النظرية تعتبر تطورًا وتجاوزًا لنظرية بياجو البنائية، حيث تركز على دور المجتمع والبالغين في عملية التعلم. فهي تؤكد على أن البيئة الاجتماعية والمعلمين يلعبون دورًا حاسمًا في توجيه وتشجيع التعلم وتطوير المعرفة لدى الفرد.
دعنا نستعرض بعض المفاهيم المركزية في نظرية التعلم السوسيوبنائية:
1. مفهوم النشاط: يشير إلى السياق الاجتماعي الذي يتفاعل فيه الطفل مع البالغين. إنه المجال الذي تتشكل وتنمو فيه مختلف الأنماط الثقافية والاجتماعية في المجتمع. يعمل الطفل على استيعاب هذه الأنماط لبناء وظائفه العقلية وتحقيق التطور المعرفي.
2. مفهوم التعلم: يعتبر لحظة حاسمة ومحفزة للنمو، ويتحقق من خلتفعيل العمليات والوظائف الداخلية للطفل. ومن الصعب تحقيق هذا التعلم بمفرده، بل يتطلب التواصل مع البالغين والأقران. عندما يتدخل البالغ، يتم تحفيز عملية التعلم التي لا يمكن للمتعلم تحقيقها بمفرده.
3. مفهوم المنطقة القريبة للنمو: يشير إلى الفارق بين مستوى معالجة الوضعية تحت إشراف المعلم ومستوى معالجة التلميذ بمفرده. يظهر أن التفاعل مع البالغين يسهم في توسيع هذه المنطقة وتحقيق نمو أعلى للتلميذ.
4. مفهوم الإنسان: يصف الإنسان ككيان نشط يشارك بفاعلية في خلق وجوده وتحديد مصيره. يمتلك القدرة على اكتساب الأدوات التي يستخدمها في كل مرحلة من مراحل نموه للتأثير على نفسه والعالم الخارجي.
إن نظرية التعلم السوسيوبنائية تعتبر من النظريات المثيرة التي تسلط الضوء على العلاقة المترابطة بين العوامل الاجتماعية والتعلم. تعزز هذه النظرية فهمنا لكيفية تكوين المعرفة وتطورها من خلال التفاعل مع المجتمع والأشخاص الآخرين. إنها دعوة لنا للنظر إلى التعلم كعملية اجتماعية تتطلب التفاعل والمشاركة وتأثير البيئة المحيطة بنا.
العوامل المسؤولة عن حدوث التعلم في السوسيوبنائية تشمل:
1. دور التفاعل الاجتماعي: يتعلم الأطفال ويكتسبون المعارف والمهارات من خلال تفاعلهم مع الآخرين. عندما يشارك الطفل في أنشطة ثقافية واجتماعية ويتفاعل مع البالغين، تتشكل وظائف العقل العليا تدريجيًا.
2. دور النشاط: في سياق النشاط، يتعرض الطفل للتفاعل ويشارك في تفاعلات مع البالغين الذين يقومون بتوجيه وتنظيم التفاعل وفقًا للأنماط الاجتماعية والثقافية والأهداف التربوية. يعتبر ذلك بيئة خصبة حيث يمكن للأطفال استبطان المفاهيم الاجتماعية ودمجها في هياكلهم العقلية.
3. دور البالغ: التعلم يتحقق من خلال تدخل البالغين في لحظتين حاسمتين. اللحظة الأولى هي وقت تدخل البالغ لتنشيط عملية التعلم التي لا يمكن للطفل تنشيطها بمفرده. إذا اختار البالغ وقتًا مناسبًا وكان تدخله مناسبًا، يمكن للطفل أن يستخدم ما تعلمه بشكل مستقل. اللحظة الثانية هي لحظة النمو، حيث تدخل العمليات الداخلية للاستيعاب الفردي في تبني المفاهيم الاجتماعية والثقافية والمهارات والمعرفة.
بالنسبة للتطبيقات التربوية للسوسيوبنائية، يمكن تلخيصها على النحو التالي:
- تشجيع التعلم التعاوني من خلال تقسيم بيئة تعلم الطفل إلى مجموعات صغيرة تعمل معًا لتحقيق هدف مشترك. يؤكد فيكوتسكي على أهمية التعلم التعاوني.
- التركيز على التواصل مع البالغ والتعاون مع الأقران كجوانب أساسية في عملية التعلم.
- وضع المتعلم في مركز العملية التعليمية، وتشجيعه على المشاركة النشطة في بناء معرفته والتفاعل مع الآخرين.
- تعزيز التعلم الذاتي والتعلم مدى الحياة، حيث يتحمل المتعلم مسؤولية بناء تعلمه من خلال نشاطه الذاتي وتفاعله مع البيئة التعليمية.
- دور المعلم يتحول إلى دور مستشار، حيث يقوم بتوجيه وتشجيع المتعلم وتوفير الدعم والتوجيه اللازمين.
تطبيقات السوسيوبنائية في الممارسات التعليمية يمكن أن تدعم تفاعلات التعلم الفعّالة وتعزز الفهم العميق وتعمل على تطوير مهارات التفكير النقدي والاجتماعي للمتعلمين. كما يمكن أن تساعد في تعزيز التعلم الشامل والشخصي للمتعلمين، حيث يتم اعتبار الخلفية الاجتماعية والثقافية والعوامل الشخصية للمتعلم عند تصميم العمليات التعليمية والتقييم.
وفي النهاية، يجب أن نلاحظ أن السوسيوبنائية ليست المدارسة التقليدية الوحيدة للتعلم، وهناك نهج آخر يركز على العوامل العقلية والاجتماعية للتعلم (مثل نظرية العقل الاجتماعي لألبرت باندورا). يمكن استخدام هذه النظريات والأساليب المختلفة بشكل متكامل لتحقيق تجربة تعلم شاملة ومتوازنة للمتعلمين.
✍️ ذ. الشهبي أحمد
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.