.ContactForm{display: none!important;}

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

أحمد الشهبي في "المرضية": صراخ صامت من قلب التوقعات الاجتماعية

 


في زمنٍ تتراكم فيه الإصدارات وتتزاحم العناوين، يخرج الكاتب المغربي أحمد الشهبي من ركام المجاملة الأدبية بنصٍ مختلف، ينحتُ ألمه بصدق ويهمس بقوة. روايته الجديدة "المرضية"، الصادرة عن دار عبودة للنشر والتوزيع، ليست عملًا عابرًا ولا رقمًا جديدًا في رصيد التأليف، بل لحظة نضج سردي تقاطعت فيها التجربة الإنسانية مع الكتابة الوجودية، في عملٍ يمتدّ على 265 صفحة، موزعة على عشرة فصول، لكنها تُقرأ كأنها وجع واحد لا يتجزأ.


"المرضية" ليست فقط اسم بطلة الرواية، بل لعنة رمزية تسكنها وتحدّد مصيرها. خديجة، هذه الفتاة التي وُلدت وفي عنقها قيد البرّ، لا تقاوم الحياة بصخب، بل تخوضها بصمت المُرغم، بين أب يمثل سلطة صارمة تُحاكي المجتمع الذكوري، وأم غائبة ليست فقط بالجسد، بل أيضًا بالمعنى، وإخوة يشبهون الجدران: صامتون، لكنهم لا يُشبهون الحنان في شيء.


في هذه الرواية، يتقاطع الحس الإنساني مع الرؤية الفلسفية، وتتخذ اللغة طابعًا شاعريًا دون أن تفرّط في صرامة الدلالة. يبرع الشهبي في تحويل اليومي والعابر إلى سؤال وجودي، ويتجنب ببراعة فخاخ الخطاب المباشر أو التقريري. فـ"المرضية" لا تُعطي أجوبة، بل تفتح جروحًا فكرية: هل التضحية فعل حبّ أم طاعة موروثة؟ هل البرّ اختيار أم فخ اجتماعي مهيكل؟ ومتى يتحوّل الوفاء إلى عملية محو تدريجية للذات؟


الرواية، وإن بدت بسيطة في شكلها الخارجي، تنطوي على بناء داخلي محكم، يجعل من كل شخصية قطعةً في فسيفساء الغياب والتوجّس، ويمنح القارئ متعة القراءة العميقة التي تثير الأسئلة أكثر مما تُطمئن.


ولمن يتابع المسار الأدبي لأحمد الشهبي، فإن "المرضية" لا تأتي من فراغ. سبق للكاتب أن أصدر رواية "عتمة قمم" عن دار بسمة للنشر الإلكتروني ودار الوطن، وهي عمل روائي يلامس العزلة الوجودية من زوايا مختلفة. كما صدرت له المجموعتان القصصيتان "ياسمين الخريف" عن دار بسمة ودار عبودة، و"رفوف النسيان" (كتاب جامع) عن مجلة برشلونة الأدبية، و " أنفاس الحكايا" (كتاب جامع) التي اصدرتها سلسلة اصداء الفكر وقد بصم من خلالها مسارًا سرديًا يتميز بالحساسية الإنسانية العالية والقدرة على التقاط التفاصيل الهاربة من ضجيج الحياة.


"المرضية" ليست فقط تجربة روائية، بل أيضًا نداء داخلي موجّه إلى كل من عاش تحت سقف التوقعات، وكل من ظنّ أن التضحية طريق مختصر إلى القبول. عملٌ يمزج بين الشعر والحياة، بين البراءة والخذلان، بين الرغبة في العطاء والخوف من الذوبان.


إنها رواية للقارئ الذي لا يبحث عن المتعة السطحية، بل عن مواجهة مرآته الداخلية، ولو كانت مشروخة.

أنت الان في اول موضوع

تعليقات

التنقل السريع