.ContactForm{display: none!important;}

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

"صديقتي الملهمة: رحلة اللون الأصفر والتغلب على الاكتئاب"




قبل عام واحد فقط، تعرفت على صديقتي المقربة التي شاركتني قصة رحلتها المؤلمة مع شبح الاكتئاب. هذا الاكتئاب الشديد جعلها تكره الحياة، وعلى الرغم من تشجيعي المستمر لها وإخبارها بجمال الحياة، إلا أنها كانت دائماً ترى العالم بعيون مظلمة. كانت صديقتي من الأشخاص الانطوائيين الذين لا يهتمون بجمال العالم ولا يكترثون بتحقيق الأحلام والأهداف. كانت تفضل البقاء في عزلتها والتحدث فقط مع أولئك القلة الذين يفهمونها حقاً. في السابق، كنت مجرد شخص آخر في حياتها، وربما كانت واحدة من أغرب الأشخاص الذين قابلتهم على الإطلاق. ومع ذلك، تعلمت منها أن ما نراه ليس دائماً الحقيقة المطلقة...

قابلت صديقتي في رحلة الحياة، وجمعتنا الصدفة التي جعلتها تخبرني بكل الأشياء التي لم تكشفها لأحد من قبل، حتى أقرب الناس إليها. وعلى الرغم من أنها كانت تقول لي إنها لا تحب التحدث إلى أحد، إلا أنها كانت تفتح قلبها لي وتشاركني أفكارها الأكثر خفايا. كان حديثنا يجعلها تكشف عن جوانب من شخصيتها التي لم أكن أعلم بوجودها. كانت تحب الموسيقى وكانت تجد في الرسم ملاذًا لها عندما تشعر بالحزن. كنت أعشق كل إبداع تظهره أناملها في أعمالها الفنية، وكنت أشيد بها في الرسومات التي كانت تنتجها ببراعة ودقة. ومع ذلك، كانت تصر دائمًا على أنها فاشلة في كل شيء في الحياة. لا زلت أحتفظ بإحدى رسوماتها التي أهدتها لي، وعلى الرغم من أنها تعكس حزنها، إلا أنها تعتبر ذكرى ثمينة للصداقة التي جمعتنا...

عندما قرأت لأول مرة عن "الاكتئاب"، أدركت أن صديقتي ليست شخصًا عاديًا. كانت تمثل كيانًا مكتظًا باليأس من كل جانب. لم تكن تعرف معنى التفاؤل أبدًا، ولو طُلب منها أن تلقي نفسها من قمة جبل شاهق، لم تتردد في القيام بذلك ولا تبتسم أبدًا. لم أكن متخصصًا في علم النفس ولم أتعمق في دراسة هذا المرض من قبل، ولكنني كنت أتابع حالات الأشخاص الذين يعانون منه من خلال البرامج التلفزيونية وقراءة تجارب الأشخاص الذين واجهوا الاكتئاب ووضعوا حدًا لحياتهم بسببه.

حكت لي صديقتي ذاك أن الاكتئاب هو أكثر من مجرد شعور بالحزن، فالأشخاص المصابون بهن يفقدن الشعور والاهتمام بكل شيء، حتى أنهن لا يعرفن معنى المتعة بأنشطتهن اليومية. قرأت أيضًا أنه يتلاعب بوزن الإنسان، فمرات يزيده ومرات ينقصه، حتى أنه يفقد شهية الأكل. أما النوم، فحدث ولا حرج، إذ أنه يصيب صاحبه بالأرق ما يجعلهن يدخلن في اضطرابات شديدة حتى ساعات متأخرة من منتصف الليل. وعادةً ما يصاحبه شعور بالإرهاق وقلة في التركيز، وفقدان الطاقة والشعور بعدم تقدير الذات أو الشعور المبالغ فيه بالذنب، والتفكير في إيذاء النفس أو حتى الانتحار.

أخبرتني صديقتي ذاك أن من عادات المكتئبين العزلة عن النفس وحب الصمت وقلة الكلام. وعادةً لا يأتي الاكتئاب هكذا من فراغ، بل يتولد عن أشياء سبق للإنسان أن عاشها في فترة من حياته. كان السبب الذي جعل صديقتي تدخل في مرحلة الاكتئاب وجعلها تحس باليأس هو رحيل والدتها عنها وهي في عمر صغير، وما عاشته من معاناة جعلت الحياة تسقطها أرضًا بعدما قاومت لسنوات.

كان فقدان نبع الحنان أهم سبب جعلها تعاني من اكتئاب حاد دام رفيقها لسنوات. ليس هذا فقط، بل تعرضها للتنمر جعل حالتها تزداد تدهورًا في وقت تنتظر فيه أن تتخلص من شبح الاكتئاب.

جمع حديثنا تناقضًا كبيرًا، لم يسبق لي أن جمعتني بأحدهن، أنا كنت ثرثارة إلى حد كبير، في حين كانت هي تكتفي بالحديث عن أشياء حزينة لم أكن أحبذها أنا. كنت أحاول أن أخرجها من دوامة ما هي بها، لذلك كنت أحكي لها عن كوني متيمة بحب الروايات والكتب، أعشق كل تفاصيل الحياة، أحب البساطة، وأحبذ مراتٍ أن أستمع إلى موسيقى "عبد الرحمن محمد" أو "ماهر زين"، ومراتٍ تنقلب موازين الأنغام لتحذو حذو الشاب "خالد" أو "ريدوان". كانت تحكي لي عن حياتها قبل مغادرة والدتها وبعدها، كون والدها طلق والدتها بعد نكاح دام عقدين كاملين. وكنت أنا أخبرها عن كرهي للون الأصفر والهلع الذي يصيبني في الظلام، حتى أنني أكدت لها أنني لا يغمض لي جفن إذا لم يكن هناك نور خافت يخترق نافذة غرفتي حتى أنام. مراتٍ كنت أستعمل مصباح هاتفي يفي بالغرض كل ليلة، إلا أن الخسارة الكبرى كانت أنني كل يوم أستفيق على بطارية فارغة، تجعلني أذهب إلى المدرسة دون هاتف، وهذا ما لا أحبذه أبدًا.

تحدثتُ مع صديقتي حول هذه التجارب والمشاعر الصعبة التي تعاني منها، وبدأت أفهم أن الاكتئاب ليس مجرد حالة عابرة من الحزن، بل هو اضطراب شديد يؤثر على جوانب حياة الشخص بأكمله. قارنتُ حجم اضطراباتها مع اضطراباتي ووجدتُ أنه لا مجال للمقارنة أبدًا. كنتُ فتاة تجاوزت مراحل المراهقة بأكملها، ولم تعد تستهويني أتفه الأمور التي عادةً ما تشغل بال المراهقات. قارنتُ بين ما تحدثتُ عنه لها وما تحدثتُ عنه له، ووجدتُ أن الفرق بيننا هو نفسه الفرق بين السماء والأرض، وبين الواقع والأحلام.

رأيتُ أحاديثنا بعيدة كل البعد عن بعضها. كنتُ أنا تلك الفتاة المرحة الثرثارة كثيرة الحركة، تحدثتُ إلى هذه الفتاة وتلك، بالرغم من أنني لم أكن أعرفها. كان هناك تلميذ في المؤسسة التي أدرس فيها، وفي كل مرة أمرت به ألقيتُ عليه السلام، على الرغم من أنني لم أكن أعرف اسمه. ومع ذلك، كنتُ أحب الحديث والتواصل معه.

تحدثتُ لها عن كيفية بقائي مستيقظة حتى الساعة الرابعة صباحًا لأكتب إحدى تدويناتي، لأنني كنت أؤمن أنني من الكتاب الليليين الذين لا يجيدون الكتابة سوى في الليل. صديقتي هذه، انقطعت أحاديثنا ولا أتذكر بعد كم شهر من التواصل. ولكن ما أتذكره هو أنني كنتُ أحاول أن أكون لها صديقة، بالرغم من أنني لم أكن أفهم أسرار المكتئبين. ولكن كنتُ أعلم أنها تعيش صراعًا مع الحياة، وفي كل مرة تستيقظ فيها ولا تجد سببًا بسيطًا يجعلها تبتسم.

ربما لم تجد ضالتها فيَّ، لكني مع كل هذا حاولتُ أن أساعدها. كنتُ أعلم أن فراق نبع الحنان أمرٌ هام، وكنتُ أتذكر أنني أسمع عن الاكتئاب حد الانتحار وأنا أخبرها عن اللون الأصفر ومخاوفي من الظلام وتجاربي البسيتحدثتُ لها عن اللون الأصفر ومخاوفي من الظلام وتجاربي البسيطة في المدرسة. لكن الحقيقة هي أنني كنتُ سخيفة في تلك الأحاديث، فأنا لم أكن أدرك طبيعة الاكتئاب وكيفية عيشهم وما يحسون به. رأيتُ أنهم يستحقون الكثير من الاهتمام لكي يتمكنوا من الخروج من دوامة الحزن التي تعصف بهم يوميًا.

انتهت صداقتي بها ومع نهاية تلك السنة الجميلة التي تعلمتُ فيها أن هناك أشخاصًا في العالم يعانون من أشياء لم أعشها يومًا. أدركتُ أنني كنتُ سخيفة في كل ما كنتُ أخبرها عن نفسي. كانت تحكي لي عن الاكتئاب وعن الصراعات الشديدة التي تمر بها، بينما أنا كنتُ أتحدث عن أمور تافهة وبسيطة في حياتي.

اختفت أحاديثنا، اختفيتُ عنها واختفى هو أيضًا. ربما لأنني لم أعرف يومًا طبيعة المكتئبين وكيف يعيشون ويحسون. ومع ذلك، أرى أنهم يستحقون الكثير من الاهتمام لكي يتمكنوا من الخروج من دوامة الحزن التي تعصف بهم يوميًا.

صديقتي  أصبحت محطة هامة في حياتي التي جعلتني أحب اللون الأصفر بعد أن كنتُ أكرهه لسنوات. وما زلتُ حتى اليوم لا أملك الشجاعة الكافية لارتداء هذا اللون، ولكني أراه كمشروعٍ لفستاني الذي أرغب في خياطته وفقًا لمقاسي بعد انتهاء الجائحة. صديقتي هذه لم تجعل اللون الأصفر يبدو أجمل فحسب في عينيّ، بل جعلني أتحمل النوم في الظلام بعد أن قضيت سنوات أفضل الاستيقاظ حتى الصباح بدلاً من النوم في ظلام الليل.

صديقتي هذه دفعتني لأقرأ للمرة الأولى عن الاكتئاب والانطواء والعزلة وكل المشاعر الصعبة التي يمر بها الكثيرون في فترات من حياتهم. أدركتُ أنه ليس بالضرورة أن كل ما نراه هو الصواب، وأن الاكتئاب قد يكون مرحلة صعبة في حياتنا، ولكنها ليست النهاية. يمكن أن تتبعها لحظات من السعادة والبهجة.

إذا كان لي أن ألتقي بها مجددًا، فسأشكرها كثيرًا وأخبرها أنني أحببت اللون الأصفر بفضلها. سأشاركها أيضًا أنه ليس من الضروري أن يكون كل ما نراه هو الحقيقة المطلقة، وأن الاكتئاب قد يكون مرحلة صعبة في حياة الإنسان، ولكنها ليست نهاية العالم. فقد تليها لحظات من السعادة والمرح.

#مقالات_الرأي
#سيكولوجيا
#علم_النفس
#مريم_زغوشي
#أدبيات_تربوية

✍️. ذة. مريم زغوشي 

تعليقات

التنقل السريع