انتهيت من قراءة رواية "يوتوبيا " لأحمد خالد توفيق و في الواقع تكون لديّ ما يمكنني أن أكتبه حول تلك الرحلة التي لا أعرف كيف أعبر عنها أو أوصّفها و لا أعرف أصلا هل يحق لي ذلك أم لا ؟ وهل في ذلك المكان و تلك الصفحة أم لا ؟ لا أعرف !!! لكنني أقول :
- الكاتب لديه قدرة عظيمة على تحليل النفس البشرية و الغوص في مسارات سرية و خفية و غامضة في منحنيات الشخصيات التي يختارها لتكون في روايته سواء كانت شخصيات رئيسة أم فرعية ..يجيد تماما تشريحها النفسي و الفكري و لعل هذا ما أدهشني و جعلني أعود لأتأكد من دراسته و مهنته ..طبيب...تلك كانت المفاجأة ..قد يشرّح الجسد و يغوص في أسرار الأعضاء و تفاصيل العضلات و مسارات الشرايين و وصلات الأعصاب أما النفس و الروح و الفكر فتلك مهارة شخصية و أداة أدبية يحسد عليها.
- من الواضح إلمام الكاتب بالأدب الغربي و أدب الميتافيزيقا خاصة و هذا يلوح من صفحة لأخرى و من موقف لأخر داخل اليوتوبيا .
- الثقافة اللغوية و اللفظية للكاتب واضحة في انتقائه للعديد من التراكيب و اختياره لبعض التشبيهات مثل : " عدو الظليم " ص 158 وإن كان البعض لن يتعرفوا معنى " الظليم " = " ذَكَر النَّعام "و بالتالي لن يدركوا المراد من التشبيه.
- للكاتب حكمته الخاصة و رؤيته المدهشة و صياغته الأدبية التي يمررها في سلاسة عبر الأحداث للقارئ مثله مثل كبار الكتاب ك " باولو كويلو " حيث يقول مثلا : " عندما تخترق آخر حدود التعقل ، تشعر بأن التعقل يتمدد ليضم لنفسه حدودا أخرى يسيطر عليها الاعتياد و الملل و الرتابة.. " ص 21 ثم يكرر نفس العبارة ص 25..و هكذا .
- أعتقد أني لا أكلف الأمر فوق ما يطيق حينما أنظر إلى غلاف الرواية و أقول : إن الصورة على الغلاف هي لبطل الرواية بأوصافه المذكورة ص12 " شعري حليق بطريقة هنود الموهيكان الشهيرة ..أصلع على جانبي الرأس و الخصلة العالية في المنتصف مثل ديك بري ثائر .." و لكن لماذا جعل الكاتب بالاتفاق مع مصمم الغلاف ( و هذا اعتقادي الخاص ) الصورة لجمجمة و ليست لوجه إنسان محدد الملامح ؟؟!! و كأني بالكاتب أراد أن يرمز لكل مضمون الرواية و نهايتها في صورة الغلاف .. وكأنه أيضا أراد أن يوضح مسبقا أن بطل روايته لا يتصف بصفات الإنسانية وأنه ميت مازال يمشي و يتنفس...
- " من أنا؟.. دعنا من الأسماء .. ما قيمة الأسماء عندما لا تختلف عن أي واحد آخر ؟" ص 14..و هنا يولد من رحم الدهشة السؤال الحائر : لماذا لم يحدد المؤلف اسما واضحا لبطل قصته ؟! أقول : لقد أراد أن يجعله نكرة ...فكل صفاته و أفعاله و مواقفه تثبت أنه لا شيء إلا " نكرة " ..
- استخدم الكاتب أحيانا تداخلات للأحداث لمزيد من التشويق لكنها قد تسبب الكثير من اللبس و عدم الفهم للموقف السردي و الإطار الأدبي على سبيل المثال : ما ذكره عن " جابر " ص 25 سابقا ذكره وتفاصيله بصفحات طوال.
- جعل المؤلف الرواية من خمسة أجزاء : الجزء الأول و الثالث و الخامس بعنوان واحد مكرر " الصياد " و الجزء الثاني و الرابع بعنوان واحد مكرر " الفريسة " وهذا أيضا له دلالة في مضمون الرواية فهي ما بين شعبين متناقضين يتبادلون الأدوار بين الصياد و الفريسة حتي ينقلب الأمر في النهاية لتحاول الفريسة لعب دور الصياد ..أي أن الجزء الأول و الخامس بعنوان " الصياد " و لكن المراد بالصياد فيهما قد يختلف...
- و للحوار بقية ...ولكن أود أن أطرح سؤالا : ماذا وجدنا في " يوتوبيا " أحمد خالد توفيق؟! اعتقد أن الكاتب يريد أن يقول : لو أن كل متع الحياة توفرت لك و كل رغباتك تحققت لك فأنت ستستيقظ صباحا يغتالك الملل و يفترسك الاعتياد !! و لو أنت من " الأغيار" فأنت ميت حي بلا أمل و لا فكر ولا صحة .... أي أننا جميعا بحاجة ليوتوبيا وسطية يعيش فيها الجميع بلا تفرقة بحيث تكون أسوارها المعنوية الفضيلة و الأخلاق و حب الآخرين ...وكما قلت للحوار بقية ...
بقلم عادل اسماعيل

تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.